كلامولوجيا أم تكنولوجيا معلومات؟


قال لي صديق عزيز قبل سنوات "نحتاج التكنولوجيا وليس الكلامولوجيا"، وبالرغم من ايماني الكبير بان هناك من خُلق ليتكلم والقلة القليلة وُجدت لتعمل، إلا أني ما زلت أستغرب كيف انتشرت في فلسطين شائعة ان قطاع تكنولوجيا المعلومات أو ما يسمى للاختصار IT هو الحل الأبسط والاسرع كي يصبح من يعمل بها مليونيرا! وأن سوق الأعمال التقليدي هو الصعب والمعقد والغني فيه هو من كان أباه غنياً فقط، أما الـ IT فما عليك الا بجهاز حاسوب وبعض البرامج غير الاصلية والتي تباع منسوخة ببضعة شواقل، بالاضافة الى انترنت سريع، والعالم كله يكون أمامك!
وفي هذا السياق ازداد مؤخرا عدد الملتحقين بكليات تكنولوجيا المعلومات في الجامعات الفلسطينية سواء النظامية او التعليم المفتوح، وزادت الشركات التي تحمل اسم تكنولوجيا المعلومات وتغنت الجمعيات بدعم هذا القطاع وازداد اهتمام الممولين والمانحين لقطاع التكنولوجيا الرقمية، ونسي الجميع أنه ربما التكاليف التشغيلية لأي مصلحة تطور البرمجيات والحلول الرقمية الأصيلة وتبيعها هي منخفضة مقارنة بمصنع أجبان ولكن المهارات والقدرات والابداع المطلوب هو أكثر بمئات المرات.
ان التعريف الذي أفهمه أو الوصف الذي أتخيله لشركة تكنولوجيا معلومات هو ان يمتلك طاقمها القدرة الفذة على اختراع الافكار لبرمجيات حديثة تخدم قطاعات عديدة ومتنوعة، وتسويقها محليا وعالميا، وهذا ما يجعل توظيف امكانات تكنولوجيا المعلومات في السوق الفلسطيني  اختراقا للحصار الحِسي الذي يفرضه علينا الاحتلال على ارض الواقع عبر المعابر والحدود والحواجز العسكرية، وبذلك يستطيع الفلسطيني ان يسوق منتجات جديدة وخلّاقة عالميا دون الحاجة لشركات اسرائيلية لتخليص البضائع من الموانئ ونقاط الحدود التي يسيطر عليها ويستفيد منها الاحتلال، وربما يسبب ذلك الانفراج الاقتصادي البعيد عن براثن المُحتل. وفي تعريف أكثر تواضعا يكون لدى أي شركة تحمل اسم "تكنولوجيا المعلومات IT"  القدرة على تطوير حلول برمجية محوسبة لمشاكل تقنية يطالب بحلها من يعاني من تبعاتها في السوق المحلي او الاقليمي، وبذلك تكون هذه الشركات ذراع تطويري لقطاعات صناعية وتجارية مختلفة وتوفر الحلول العصرية المعتمدة على الاتمتة والذكاء الاصطناعي.
ولكن وللأسف، ليست هذه الصورة الحالية! فمعظم من يعمل في حقل الـ IT "الواعد"  حسب التعريفات والتصريحات الصحافية والاعلامية يتاجر بالأجهزة الالكترونية المحفوظة في الصناديق، والغالبية العظمى تشتري الحواسيب والتجهيزات الالكترونية من موردين ووكلاء اسرائيليين لشركات عالمية، وهناك قلة قليلة تستورد بنفسها وتبقى مرهونة بإجراءات تعسفية لضابط الأمن في الارتباط العسكري حتى يسمح او يمنع ادخال اي جهاز الكتروني جديد للضفة الغربية او قطاع غزة.
أما البرمجة الحقيقية وانتاج البرامج والتطبيقات المحوسبة والقدرة على التسويق المحلي والعالمي من خلال ثورة الاتصالات الرقمية الحالية فهي حلم جامح، ندعي تحقيقه فلسطينيا بالرغم اننا مازلنا في البدايات مقارنة مع عدة دول في منطقتنا تفعل أكثر مما تقول، ولكن لماذا؟ وما دامت التكلفة التأسيسة رخيصة، حاسوب وانترنت فقط وانطلاق للعالم! اذا لماذا لا يوجد تطبيقات فلسطينية تحتل العالم مبيعا؟
في اعتقادي وخبرتي المتواضعة التي واكبت المسيرة منذ سنوات، استطيع القول أن المشكلة تكمن في العقول وقدرتها على الابداع والاتيان بالجديد، وامتلاك ثقافة الانتاج وايجاد الحلول التي تتخطى نسخ المعروف، وكمية الطاقة لدى المبرمج الفلسطيني ومدى مثابرته وتمسكه بالفكرة حتى تنجح، الجميع يتغنى بسهولة كتابة التطبيقات المحوسبة للهواتف المحمولة والاجهزة اللوحية ، ونشهد يوميا اعلانات تسويقية تروج الى القدرة على تطوير التطبيقات، ولكن كم تطبيق فلسطيني او عربي يُكتب مثلا بلغة البرمجة نفسها سواء الـ Native JAVA او Native IOS والتي تحتاج الى معرفة جوهر البرمجة والتمكن منها، ان معظم المبرمجين في بلادنا يستخدمون القوالب الجاهزة للبرمجة والتي تحوي تصاميم معدة مسبقا، وهناك من برمجها ووضع فيها المحددات التي تقيد عملها حتى يستفيد منها لاحقا سواء ببيع النسخ الاكثر تطورا أو بتقديم الصيانة مدفوعة الأجر.

هل أخطأنا عندما قلنا ان اقتصادنا يحتاج تكنولوجيا المعلومات والتطبيقات Apps؟ طبعا لا، نحن نحتاج هذه الصناعة بلا شك، وهي رافعة للاقتصاد الوطني ان تم الاستثمار بها كما يجب. ولكن علينا ان نتواضع قليلا ونخفض من سقف التصريحات الاعلامية بعض الشيء، ان نستخدم أموال المانحين في تطوير القدرات المحلية حتى تنطلق في عالم تكنولوجيا المعلومات المنتج، ان نصل الاسواق بكفاءة التطبيقات التي نطورها محليا وليس فقط بالبهرجات الاعلامية التي يعلق بعدها كل تطبيق اثناء تحميله، هذا ان وصل اصلا الى المتاجر العالمية على شبكة الانترنت.
تكنولوجيا المعلومات يمكن ان تكون الحل السحري لاقتصاد فلسطيني يقبع تحت نير الاحتلال المباشر المسيطر على جميع موارد الوطن وثرواته الطبيعية، ولكن الثقافة السائدة المبنية على الكلامولوجيا هي التي تسيطر على العقول والنظام التعليمي التحفيظي هو من يبنيها، وان كنا نبحث عن الاختراق الحقيقي فعلينا ان نحرر العقول الشابة من التبعية والتفكير النمطي والتقليدي، تكنولوجيا المعلومات كنز لمن يتقن تطبيقه فقط، وهو سوق استهلاكي جديد يستفيد منه من يتقن نقل الصناديق المغلقة من المورد الاجنبي او الاسرائيلي الى ايدي ابناء الشعب الفلسطيني.


م.عارف الحسيني – مؤسس ورئيس مجلس ادارة مؤسسة النيزك للابداع العلمي
aref.husseini@gmail.com




تعليقات

  1. كلامك صحيح .. ومقال جيد ... ولكن هناك بالفعل من يمارس تكنولوجيا المعلومات الحقيقية، واعتقد أن عدم توظيفها بالشكل بالمطلوب، ناتج عن قلة الموارد والامكانات، والانقطاع المستمر للتيار الكهربائي.
    واقبلوا التحية ... ودمتم بصحة وعافية
    د. محمود برغوت - وزارة التربية والتعليم - قطاع غزة

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حرف الميم مع نقطة، لن يجعلك مهندساً !

أما بالنسبة للإبداع .... فلا يمكن أن يبدع الخائفون

هواتف "ذكية"... للأذكياء ؟ هواتف "غبية"... للأغبياء ؟