"فلسطين المستقبلية"


فلسطين، كل الفلسطينيين ما عدا البعض القليل المتوجس دوما، اجتاحتنا مشاعر الفخر الكبير بفوز محمد عساف بلقب "محبوب العرب" ، وبلا ادنا شك لمعت اعيننا جميعا حتى من لم يخرج الى الشوارع وبقي في صالون بيته مقابل التلفاز، لم يتوانى عن التصفيق وحيدا لشاشته المضيئة حين توج هذا الشاب المبدع والبسيط، والذي يمثل الشريحة الواسعة من شباب وطننا وتميز على مستوى العالم العربي، وكأنه يقول لنا وللعرب برفع علم رباعي الالوان في محفل فني هام "فلسطين تبعث من جديد".
كم مرة تسلل الى قلبنا اليأس والاحباط، وبسواعد ابناء هذا الشعب النابض بعثت فلسطين من جديد، وكأننا شعب يأبى القبوع تحت الركام، وهنا اقتبس من كتاب الصديق فتحي البس مقوله له سحرتني حتى بت ارددها دوما "قهرتنا الايام لكنها لم تهزمنا".
في اواسط حزيران ايضا انطلقت اعمال مؤتمر فلسطين المستقبلية، والذي نظم في رام الله من قبل مجموعة من الشباب الفلسطيني المهني المتميز في قطاعات عمل مختلفة، اهمها الدبلوماسية الفلسطينية والاعلام والاتصال والتعليم والبحث العلمي والبيئة والاقتصاد والتنمية. تجمعت هذه الثلة من الشباب الفلسطيني من مختلف سقاع الارض من القدس وغزة ورام الله ومن اسبانيا وبريطانيا وسويسرا ، يجمعهم امل واحد ودم واحد بالرغم من اختلاف خلفياتهم السياسية، ارادوا ان يذكروا كل من نسي عن قصد او بالصدفة ان الشباب الفلسطيني قادر على تحمل المسؤولية وقد حان الوقت للفلسطينيين ان يستغلوا ثروتهم الحقيقية الكامنة بالشباب المبدع وادمغتهم الفذة ومواهبهم ومهنيتهم المهدورة والتي استغلتها وتستغلها دول اخرى، هكذا ولد تجمع فلسطين الجديدة "NewPal  "  وقدم نفسه دون اضطراب او خجل.


عرض الشباب المهني غير الفئوي وناقش مع اقرانه قطاعات العمل المختلفة بروح عالية من المسؤولية، وبرؤى جديدة ومعاصرة، تأخذ تجربة الاجيال السابقة كنقطة ارتكاز اساسية، ولا تطير فوق السحاب بأحلامها غير الواقعية، بل تنقد وتحلل وتعمل بروح الشباب وبأمل كبير غير محدود بسقف الاحباط الذي تسلل عنوة في نفس المعاصرين لذات المواضيع منذ زمن.
توالت الاشاعات والتوجسات حول مجموعة الشباب المبادر، كعادتنا الدائمة، من هم؟ من اين جاءوا ؟ لمن يتبعون؟ من طلب منهم؟ وكأن الشعب بأسره بات مرهون للقيادات والاحزاب السياسية او لرجال الاعمال والساسة الاقتصاديين! وكأن الشباب هم عنصر تابع فقط ولا يملك اسم وهوية ورأي! وكأن هناك من يفرض على عساف ماذا يغني او ساعده بالقفز فوق الاسوار للمشاركة في فرصة حياته. ولا ادري لماذا لا ندرك كفلسطينيين انه ومنذ اكثر من عشرين عاما، كانت سياستنا ردة الفعل وليس الفعل، ولم نتقن فعلا فن التخطيط المسبق، ولم نستخدم ثروة الشباب وهمتهم وقدرتهم على التغيير ، وعليه كيف يمكن لاكبر فئات الشعب ان تكون تابعة لبرنامج او برامج غير موجودة اصلا؟ اما عن التبعية العمياء لافراد على اساس عشائري او حزبي فاعتقد لست جازما ان عصر المعلوماتية والتكنولوجيا الحالي، وانفتاح الشباب لعوالم متعددة ومتنوعة، سوف يقضي لاحقا على ثقافة القطيع، خاصة وان الشعب الفلسطيني في مرحلة تاريخية يحاول فيها استنهاض ذاته ليعلوا من جديد.

عندما كان الشهيد ياسر عرفات بعمر التاسعة والثلاثين تولى زمام قيادة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وفي عمره او اقل قليلا انضم اغلب القادة التاريخيين لشعبنا المناضل، واحدثوا التغيير، اما اليوم فقد تم تهميش دور الشباب بشكل استثنائي،سخر فيه كل شاب طاقاته بمصالحه الشخصية غاستغل اقل من ربعها بسبب الظروف، وبتنا نلعب بملعب واسع اغلب رواده شباب فتيّ، لكن لا يوجد به مرمى، ندور حول انفسنا ولا نحرز اي هدف، نبقى في التيه، حتى تأتي فرصة استثنائية كتلك التي خرج من رحمها عساف او غيره، وننتظر الحظ كي يدلوا بدلوه فتارة نتمكن من الفرح اللحظي وتارة اخرى تندثر همة الشباب في تفاصيل الحياة اليومية.
الشباب الفلسطيني يتسائل بحق، اين خطتنا نحن مقابل خطط السلام الاقتصادي والهدنة الدائمة وحالة اللاحرب واللاسلم؟ وما هو الدور الذي علينا ان نلعبة في قطاعات العمل المختلفة؟ ان كانت الاجابة حائرة، وهي كذلك! وعجز المستشارون الدوليون عن رسم المستقبل وتضاربت آراء المستشارين المحليين وتوجهاتهم، فتشرذمت القيادات وزاد الانقسام، اذا فاليفتح المجال امام الشباب للمبادرة والعمل، دون عراقيل مسبقة، وبالتنسيق الكامل مع قيادات حركتنا الوطنية ومثال تجمع فلسطين الجديدة ومبادرات فذة اخرى يمكن ان تكون نقطة انطلاق تحدد المرمى الذي نصوب له اهدافنا، فنفلح مرات باحرازها ونفشل مرات اخرى ومع كل فشل نتأكد اننا نسير في درب شائك، يزيد الاحتلال وعورته، لكنه حتما بالاتجاه الصحيح الذي يوصلنا الى هدف في النهاية 

م. عارف الحسيني
aref.husseini@gmail.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حرف الميم مع نقطة، لن يجعلك مهندساً !

أما بالنسبة للإبداع .... فلا يمكن أن يبدع الخائفون

هواتف "ذكية"... للأذكياء ؟ هواتف "غبية"... للأغبياء ؟